مهارات واتجاهات حديثة في الدراية الإعلامية والمعلوماتية

تشهد الدراية الإعلامية والمعلوماتية تطورًا ملحوظًا وسريعًا مع ظهور مهارات واتجاهات حديثة تعكس مختلف التغيرات المتتالية في البيئة الرقمية والإعلامية، إذ أصبحت هذه المهارات تتجاوز القدرة على الوصول إلى المعلومات فقط، لتشمل تحليلها وفهم كافة السياقات التي تحيط بها سواء كانت اجتماعية أو ثقافية أو سياسية. ومع تزايد أهمية المعلومات في هذا العصر، فإن الأمر يتطلب من الأفراد تطوير مجموعة متنوعة من المهارات لمواكبة الاتجاهات الحديثة في هذا المجال.

تعزيز مهارات التفكير النقدي هو أحد الاتجاهات الحديثة في التعامل مع المعلومات الرقمية، إذ أصبح من الضروري تعلم كيفية تحليل المحتويات بشكل ناقد، وتقييم موثوقية المصادر، واكتشاف التحيزات أو الأجندات الكامنة وراء المعلومات المقدمة، وهذا الاتجاه يسهم في التصدي لانتشار الأخبار المضللة والمعلومات الزائفة التي باتت تشكل تحديًا كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي.

ومن الاتجاهات الحديثة أيضًا في التعامل مع المعلومات الرقمية اكتساب مهارات “التربية الإعلامية الرقمية” التي تشتمل على فهم الأساليب المستخدمة في إنتاج المحتويات الإعلامية الرقمية مثل الفيديوهات والبودكاست والوسائط المتعددة الأخرى. يعد هذا مهمًا بشكل خاص مع تزايد شعبية هذه الأنواع من المحتويات، التي تتطلب القدرة على تفسير الرسائل المرئية والمسموعة بشكل صحيح والتفاعل معها.

كما تشمل الاتجاهات الحديثة مهارات إدارة الهوية الرقمية وحماية الخصوصية. ويتعين على الأفراد معرفة كيفية حماية معلوماتهم الشخصية على الإنترنت، وفهم المخاطر المحتملة المرتبطة بالانتهاكات الأمنية وحقوق الملكية الفكرية. وينبغي عليهم أيضًا أن يكونوا قادرين على اتخاذ إجراءات لتأمين حساباتهم الرقمية، وأن يكون لديهم القدرة على تحديد حدود واضحة لمشاركة البيانات الشخصية.

من الاتجاهات البارزة الأخرى، العمل والتركيز على التعلم المستمر في مجال الدراية الإعلامية والمعلوماتية، ففي ظل التطورات السريعة في التكنولوجيا وأساليب الاتصال، يحتاج الأفراد إلى تبني نهج التعلم مدى الحياة لمواكبة هذه التغيرات، ويتمثل ذلك في حضورهم للعديد من ورش العمل، ودورات التعليم الإلكتروني، فضلًا عن متابعة التطورات في التكنولوجيا الإعلامية. كما أن الدراية الإعلامية الحديثة تتطلب مهارات التفاعل والتعاون في البيئة الرقمية، إذ أصبح العمل الجماعي من خلال الإنترنت أمرًا شائعًا، ويشتمل على القدرة على استخدام أدوات التعاون الرقمي بشكل فعال، والتواصل مع الآخرين بشكل احترافي، وتنظيم المعلومات المشتركة بطريقة تتيح سهولة الوصول إليها.

يعكس أيضًا الاتجاه الحديث في الدراية الإعلامية والمعلوماتية التوجه نحو استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين عملية التعامل مع المعلومات، ويمكن للأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي مساعدة الأفراد في تحليل البيانات الكبيرة، واكتشاف الأنماط، وتحديد الأخبار المضللة، ويتطلب هذا فهماً للأساسيات التقنية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في مجال الإعلام.

بالنظر إلى كل ذلك، فإن الاعتراف بأن مهارات واتجاهات الدراية الإعلامية والمعلوماتية تشهد تحولات كبيرة، فكان لا بد من أن تواكب التطورات التكنولوجية والمجتمعية، وهذا بدوره يستلزم تعزيز هذه المهارات استعدادًا للتعلم والتكيف مع الاتجاهات الجديدة، بما يساعد الأفراد على التعامل بفعالية مع التحديات التي يفرضها العالم الرقمي المعاصر في ظل هذا الفيض الهائل من المعلومات، بطريقة واعيةٍ وناقدةٍ، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين المؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام والمجتمع ككل، لضمان بناء جيل قادر على مواجهة تحديات المعلوماتية الحديثة.

 

د. آلاء طارق الضمرات/ عميد كلية العلوم الإنسانية بجامعة ميدأوشن

Scroll to Top