التربية الإعلامية: كيف نتصدى لفوضى المعلومات ونكشف المحتوى الكاذب؟

في العصر الحديث تُعدُّ وسائل الإعلام جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، إذ تؤثر في الطريقة التي نفكر بها ونتفاعل بها مع العالم من حولنا. ومع حركة التطور السريعة التي تطرأ على وسائل الإعلام، تغيرت طريقة استهلاكنا وتفاعلنا مع المعلومات، وبالتالي أصبح من الضروري أن يملك الأفراد القدرة على تقييم المعلومات والرسائل التي يتلقونها عبر وسائل الإعلام المتنوعة، وهنا تأتي أهمية “التربية الإعلامية” التي تهدف إلى تعزيز مهارات التفكير النقدي، وتمكين الأفراد من فهم وتحليل المحتوى الإعلامي بطريقة واعية، الأمر الذي يُسهم في القضاء على الأمية الإعلامية، وزيادة قدرة الأفراد على التعامل مع المحتويات الرقمية بكفاءة أكبر.

ماذا نقصد بالدراية الإعلامية؟

تعني الدراية الإعلامية تمكين الأفراد من الوصول إلى المعلومات، وتحليلها، وفهمها بطريقة نقدية، تمكِّنهم من التمييز بين المعلومات الدقيقة والمضللة، إلى جانب استخدام وسائل الإعلام لإنشاء محتوى مدروس ومسؤول، خصوصًا في ظل انتشار المعلومات المغلوطة بكثرة خلال السنوات الماضية.

وقد أضافت الرابطة الوطنية للدراية الإعلامية تعريفًا آخر لها هو أنها: “القدرة على الوصول إلى جميع أشكال التواصل، وتحليلها، وتقييمها، وإنشائها، والتصرف بناءً عليها”. يُعد هذا المفهوم جزءًا من مجموعة أكبر من المهارات المرتبطة بالدراية عمومًا. ومع ذلك، في عام 2024، أصبح المفهوم يتجاوز هذا الإطار التقليدي، ليشمل الآن تحليل تأثير التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، في صناعة المحتوى واستهلاكه، وفهم كيفية تأثير الخوارزميات في ما يُعرض علينا من معلومات، وكذلك القدرة على التمييز بين الحقائق والمعلومات المضللة. علاوة على ذلك، تسهم عملية الدراية الإعلامية في فهم تأثير الذكاء الاصطناعي في السياسة والإعلام، وتأثيره في عملية اتخاذ القرار والرأي العام، بالإضافة إلى التعامل مع القضايا الأخلاقية المتعلقة بالتلاعب بالمعلومات والأخبار المزيفة.

ولتعزيز هذا المفهوم تحتفل منظمة اليونسكو سنويًّا بالأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية، الذي يُعقد في الفترة من 24 إلى 31 أكتوبر. يسعى هذا الحدث إلى رفع مستوى الوعي بأهمية الدراية الإعلامية والمعلوماتية، ويعزز التعاون بين المؤسسات الدولية والمحلية لتحقيق تقدم في هذا المجال الحيوي.

ما التربية الإعلامية؟

يشير مفهوم التربية الإعلامية إلى تطوير التفكير النقدي والقدرة على تحليل وتفسير وسائل الإعلام بفاعلية. فيما تُعرِّف منظمة اليونسكو التربية الإعلامية والمعلوماتية على أنها: “مجموعة من القدرات للبحث عن المعلومات والمحتوى الإعلامي، وتقييمها بعين ناقدة، واستخدامها والمساهمة فيها بحكمة، ومعرفة حقوق الفرد على الإنترنت، وفهم كيفية مواجهة خطاب الكراهية على الإنترنت والتنمر الإلكتروني، وفهم القضايا الأخلاقية المرتبطة بالوصول إلى المعلومات واستخدامها، والمشاركة في الإعلام وتقنيات المعلومات والاتصالات لتعزيز المساواة، وحرية التعبير، والحوار بين الثقافات والأديان، والسلام، إلخ” بحيث تتضمن:

  • الاندماج الاجتماعي.
  • تعزيز حقوق الإنسان.
  • تمكين الشباب.
  • تعزيز التفكير النقدي.
  • تفعيل حرية التعبير.
  • الوعي بالعدالة الجندرية.

أهمية وسائل الإعلام في تعزيز التربية الإعلامية

في ظل الانتشار الواسع للمحتوى الرقمي، تعد التربية الإعلامية أداة أساسية لتحويل المستهلك السلبي للمعلومات إلى مستهلك نشط، قادر على المشاركة في النقاشات العامة بطريقة واعية ومنظمة، إلى جانب التوعية بمخاطر الأخبار الزائفة والمضللة؛ حيث تواجه المجتمعات اليوم تحديًا كبيرًا في مكافحة الأخبار الكاذبة والتصدي للتضليل الإعلامي، وهو ما يجعل التربية الإعلامية حائط صد يسهم في حماية الأفراد وتعزيز أمن المجتمعات.

توظيف الذكاء الاصطناعي في التربية الإعلامية

يعد الذكاء الاصطناعي أحد أهم الابتكارات التي يمكن الاستفادة منها في تطوير التربية الإعلامية، فالقدرات التحليلية الهائلة التي يوفرها تساعد على تعزيز فهم المحتوى الإعلامي وتوجيه الأفراد نحو استهلاك معلومات موثوقة وتحليلية، حيث يمكن استخدام تقنيات معالجة اللغة الطبيعية لتحليل ملايين النصوص الإعلامية بسرعة، وتقديم ملخصات دقيقة تُسهم في تسهيل الوصول إلى المعلومات وفهمها.

كما يعمل الذكاء الاصطناعي على تطوير خوارزميات خاصة لتحديد الأخبار المزيفة أو المحتويات التي تحتوي على تحريفات أو تلاعب، ما يساعد على تنبيه المستخدمين إلى مصادر الأخبار غير الموثوقة.

ويمكن للذكاء الاصطناعي تقديم تجربة تعليمية مخصصة للفرد بناءً على مستوى معرفته واحتياجاته، وهو ما يشمل تقديم محتويات تعليمية وتفاعلية تسهم في تعزيز الوعي الإعلامي.

أمثلة على أدوات الذكاء الاصطناعي التي يمكن توظيفها في التصدي لفوضى المعلومات 

هناك العديد من الأدوات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحقيق التربية الإعلامية بفاعلية، خصوصًا في ظل تأكيد التقارير الدولية، التي من بينها تقرير الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات (IFLA) لعام 2024، أن التحديات الرقمية المستمرة تتطلب مهارات متقدمة للتحقق من صحة المعلومات. إليك بعض الأمثلة:

  • OCI Vision: تستخدم هذه الأداة الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور والتعرف عليها، ما يساعد على التحقق من محتويات الصور بدقة، خصوصًا عند التعامل مع مجموعات بيانات كبيرة.
  • Invid: أداة تحقق قوية تُستخدم للتحقق من صحة الصور والفيديوهات، وتتوافر كإضافة لمتصفح كروم. تساعد على تحليل المحتوى المرئي وإيجاد المصدر الأصلي للصور والفيديوهات.
  • ArcGIS: يجمع بين الذكاء الاصطناعي والتحليل المكاني لتحليل الصور، وهو مفيد للتأكد من دقة الصور الجوية أو الجغرافية.
  • Attestiv: أداة تسمح بتحليل الفيديوهات التي أُنشئت بواسطة الذكاء الاصطناعي.
  • Sensity: أدوات مخصصة لاكتشاف التزييف العميق في الفيديوهات باستخدام الذكاء الاصطناعي للكشف عن التعديلات المزيفة، مثل استبدال الوجه ومزامنة الشفاه غير الطبيعية.

بقلم د. هالة الألفي، عضو هيئة تدريس بكلية العلوم الإنسانية، جامعة ميدأوشن

Scroll to Top